اعتقالات تعسفية وتعذيب.. تقرير يفضح انتهاكات حقوق الإنسان في بيلاروس
اعتقالات تعسفية وتعذيب.. تقرير يفضح انتهاكات حقوق الإنسان في بيلاروس
في أعقاب الاحتجاجات التي اندلعت في عام 2020، عوضاً عن الإصغاء إلى الدعوة إلى الإصلاح، ضاعفت السلطات البيلاروسية جهودها لمنع واستئصال جميع أشكال التعبير الممكنة عن المعارضة، فقد بات من المستحيل فعلياً تنظيم أي احتجاج في بيلاروس، وتعهدت السلطات علناً بـ"تطهير" البلد من منظمات المجتمع المدني.
جاء ذلك في تقرير فريق الخبراء المستقلين المعني بحالة حقوق الإنسان في بيلاروس، المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ58 التي تتواصل فعالياتها حتى 4 أبريل المقبل، واطلع "جسور بوست" على نسخة منه.
وخلص الفريق إلى أن حكومة بيلاروس واصلت الاعتماد على الاعتقالات والاحتجازات التعسفية التي كثيراً ما تكون مصحوبة بالتعذيب أو سوء المعاملة، كأسلوبها الرئيسي لإسكات المعارضة، ووثقت أيضاً أن آلاف البيلاروسيين الذين يُعتقلون ويحاكمون لأسباب سياسية يخضعون بصفة منهجية لنظام احتجاز منفصل وأكثر قسوة يهدف إلى معاقبتهم وإذلالهم.
وقال الفريق في تقريره، إن هذه الممارسات استمرت إلى جانب المراقبة المشددة والمخاوف المبررة من إعادة الاعتقال، في إجبار كثيرين على اللجوء إلى المنفى، حيث واجه عدد متزايد منهم محاكمات جنائية غيابية. كما وجد الفريق أدلة إضافية على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتحديدًا السجن والاضطهاد ضد شريحة كبيرة من السكان تُعرف بأرائها السياسية.
ويرى الفريق أن الهجوم الموجه ضد السكان المدنيين كان واسع الانتشار، استنادًا إلى عدد الضحايا وتكرار أنماط انتهاكات حقوق الإنسان التي ترقى إلى مستوى الجرائم في جميع أنحاء البلد بسبب الطابع المنظم للجرائم، وتعذر احتمال حدوثها عشوائياً. فقد ارتكبت الجرائم في إطار نمط من السلوك المنظم، تبعاً لتعليمات وتشجيع وتأييد من جانب مسؤولين رفيعي المستوى، ونفذها جناة أفراد.
وشملت الجرائم الموصوفة في هذا التقرير مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة المؤسسية التي تصرفت باعتبارها جزءاً من خطة منسقة لإسكات وتثبيط وقمع أي معارضة، متصورة أو حقيقية، الحكومة الرئيس لوكاشينكو.
وبحسب التقرير، كانت حملة العنف وسوء المعاملة المدبرة موجهة ضد البيلاروسيين الذين يتصور أنهم ينتقدون الحكومة أو يعارضونها، ويشير استمرار تورط العديد من الجهات الحكومية ضمن أجهزة الاستخبارات والأمن، إلى جانب الغياب التام للمساءلة، إلى أن الهجمات ضد السكان المدنيين ما تزال مستمرة وواسعة النطاق ومنهجية وتنفذ عملاً بسياسة الحكومة.
وقال الفريق، إنه في عام 1994، غير الرئيس المنتخب حديثاً، ألكسندر لوكاشينكو، المسار السياسي للبلد فوراً من خلال تعديل هياكله الديمقراطية. ومنح الاستفتاءان اللذان أُجريا في عامَي 1995 و1996 الرئيس القدرة على إنهاء صلاحيات البرلمان قبل الأوان، وإصدار مراسيم ملزمة دون موافقة السلطة التشريعية وتعيين مسؤولين قضائيين رئيسيين، ما أضعف دور البرلمان والسلطة القضائية إلى حد كبير.
وفي عام 2004، ألغى استفتاء دستوري آخر حدود الفترة الرئاسية، ما سمح للرئيس الحالي بالترشح لمنصبه إلى أجل غير مسمى.
وعلى الرغم من أن التغييرات الدستورية طُرحت على أنها ضرورية لاستعادة الاستقرار، فقد ألغت الضوابط والموازين ومهدت الطريق للانتهاكات الممنهجة للحقوق المدنية والسياسية التي أعقبت ذلك.
وفي العاصمة، أدى الارتداد إلى الحكم الاستبدادي في عامَي 1996 و1997 إلى "ربيع مينسك"، وهو سلسلة من الاحتجاجات الجماهيرية التي قوبلت بالقمع، وأعقبها مباشرة فرض قيود شديدة على حرية التجمع.
وتابع الفريق قائلاً: رافق تفكيك الهياكل الديمقراطية لبيلاروس متناً متنامياً من التدابير التشريعية والسياساتية المقيدة للحريات الأساسية. ومنذ أواخر تسعينيات القرن العشرين فصاعداً، مارست السلطات رقابة صارمة على الساحة الإعلامية، لتصبح بذلك وسائل الإعلام المملوكة للدولة هي القناة الرئيسية للمعلومات، وأُجبرت صحف ومحطات إذاعية وقنوات تلفزيونية مستقلة عدة، على إنهاء نشاطها أو إلغاء ترخيصها، في حين واجه الصحفيون مضايقات وترهيباً.
وواجهت منظمات المجتمع المدني، التي ازدهرت في السنوات التالية لاستقلال بلاروس عن الاتحاد السوفييتي، عقبات متزايدة أيضاً، من ذلك اشتراطات التسجيل الشاقة. عملت السلطات على تفكيك المنظمات التي تعدها غير مرغوب فيها بصفة روتينية من خلال رفض تسجيلها بشكل تعسفي أو إلغاء تسجيلها.
ومنذ أحداث عام 2020، أصبح الاعتقال والاحتجاز التعسفيان من الثوابت الدائمة ضمن التكتيكات القمعية للسلطات البيلاروسية. وعلى عكس الدورات الانتخابية السابقة، التي كانت تحدث خلالها اعتقالات جماعية لبعض الوقت بعد الانتخابات ثم تهدأ، استمرت موجة الاعتقالات والاحتجازات التي بدأت قبل الانتخابات الرئاسية في 2020 بفترة وجيزة حتى يومنا هذا.
وفي عام 2024، مثل أكثر من 7500 شخص -ربعهم من النساء- أمام المحاكم بتهم ذات دوافع سياسية في جميع أنحاء البلد، فيما مثل زيادة قدرها 100 شخص شهرياً مقارنة بعام 2023.
وجمع الفريق أدلة وافرة على أن الأشخاص الذين اعتُقلوا لأسباب سياسية في الفترة من عام 2020 إلى عام 2024 تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في جميع مراحل احتجازهم.
وتتوافر لدى الفريق أسباب لاعتقاد أن بعض انتهاكات حقوق الإنسان الموثقة في هذا التقرير ترقى إلى مستوى الجرائم الدولية من حيث إنها ارتكبت عمداً ضمن هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد قطاع من السكان المدنيين في بيلاروس، وأن مرتكبي هذه الانتهاكات كانوا على علم بالهجوم وبأن أفعالهم جزء منه.